الشروق المغربية
حين يطالب المغرب بضرورة توقف الحرب والعدوان من كلي الطرفين وتجنب التصعيد لتفادي سقوط قتلى وجرحى من الطرفين فإنه ينطق في لحظة صعبة وظرف وخيم محتكما في الوقت نفسه إلى الاتفاقيات والشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة مع الحرص على أن تكون عباراته الدبلوماسية سديدة لا تنزلق في هوة التحيز وجبلة الموالاة المكشوفة والاخطر من ذلك هو التعاطف المغشوش الذي يستثمر في القضية الفلسطينية بالشعارات والكلام المعسول استثمارا يضر بجوهر مبادئها وقيمها أكثر مما يفيدها.
وفي وسط الأحداث لم يتأخر المغرب في توفير مستشفى ميداني بغزة ولم يتوقف عن إجراء عديد التدخلات لإعادة الوضع إلى ما كان عليه.
وقد تم الكشف في بعض المنابر الإعلامية ان المغرب رفض مع دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية تلبية طلب الولايات المتحدة الأمريكية لإدانة الهجوم الحمساوي المسلح.
وامريكا تدرك ماذا تعنيه الدول الثلاث كقوى اقليمية ودول وازنة بالمنطقة لكن المغرب الذي تعود أن يمسك الجزرة من الوسط وبفضل سياسته المتوازنة وبعيدة الرؤية لا يمكن بفضل تجاربه الغنية وباعه الطويل في فهم القضية الفلسطينية أن يسقط بسهولة في عقر النيات السيئة التي تحيط به من كل جانب.
وفي خضم الأحداث ومجرى الوقائع وفي ظل ارتفاع أسعار البترول وسط الازمة العالمية كنا نتطلع إلى أن تنبري دولة هامشية مثل الجزائر لتحقيق واحد من أحلامها بعد ان حولت اهدافها في السنين الأخيرة كلها في السعي بالظهور كقوة اقليمية مهابة ومسموعة الكلمة.
وكما اصبح معروفا فان أكثر دولة اليوم تسعى لاستثمار القضية الفلسطينية والمتاجرة فيها هي دولة الجزائر وذلك للتغطية على فشلها في بلوغ مدارك التنمية وإلهاء الشعب الجزائري الذي يعاني الويلات ويكتوي بنار العوز والحاجة والتخلف عن قطار التنمية وكذلك وهذا هو الأهم لوضع قضية الشعب الصحراوي في مرتبة القضية الفلسطينية.
وإذا كان تشبيه القضيتين يرفع من سومة قضية الشعب الصحراوي بتندوف فإنها بالمقابل تضر بالقضية الفلسطينية.
أولا لان القضية الفلسطينية قضية عربية إسلامية ودولية تتحد حولها المواقف وتسمو عن كل القضايا فهي القضية الأولى داخل الانظمة والشعوب واولويتها تنبعث من عدالتها وانسانيتها.
الجزائر اليوم تخلق للقضية الفلسطينية توأما مشوها خرج للوجود بفضل عملية قيسرية لأنظمة عربية اشتراكية وديكتاتورية بائدة كنظام معمر القدافي ونظام الهواري بومديان وهذا الوضع جرد القضية الفلسطينية من هالتها كأقدم وأوحد مستعمرة في العالم.
والجزائر كما بات معروفا لا يتوقف حاكموها على ابتزاز الأمم والدول ولا يمكن ان تقدم درهما واحدا في إطار الدعم او المعونة لاي دولة او نظام دون أن تشترط عليه ان يكون تابعا مرددا لمواقفها مثلما يحدث مع نظام قيس سْعَيَّد هذا الأيام وهذا الوضع لم يعد مقبولا في ظل بروز أنظمة تحاول جادة خلع رداء التبعية والانقياد كما وقع مع حكومة دولة النيجر لما رفضت دريهمات الجزائر وطلب وزير الخارجية عطاف في استمالتها إلى صفها ضد الوحدة الترابية للمغرب ناهيك عن نكسات النظام الجزائري الحالم بعدما تم رفض طلب عضويتها داخل مجموعة بريكس مما خلق صدمة قوية بالداخل الجزائري الذي أصبح سجين اضغاث أحلام قيادييه ومما زاد الطين بلة هو تصريح وزير خارجية روسيا بأن قبول الدول داخل مجموعة بريكس يستوجب أن تتوفر فيها صفة الهيبة وهذا ما لم تدركه دولة الجزائر الجديدة والصغيرة ليس بحسابات المساحة وانما بحساب عمْر الدول وعلاقاتها وقيمتها ووزنها الجيوسياسي وثقلها الدبلوماسي وابتعادها عن الهرولة والمراهقة السياسية.