الشروق المغربية
خلال الحرب الأمريكية على الفيتنام، و في أوج جنون المعارك، ابتكر الإعلام العسكري الأمريكي ما عرف آنذاك بعبارة “الأضرار الجانبية”، كان مصطلحا فضفاضا من أجل تبرير الكم الهائل من المدنيين الذين سقطوا في المعارك الضارية، خلال القصف الجوي المكثف على المناطق المأهولة، و نجح الأمريكيون في إقناع العالم بأن الضحايا المدنيين كانوا مسؤولين عن مصيرهم، لأنهم في التوقيت الخطأ تواجدوا في المكان الخطأ…، و أنا اليوم أنصح القيادة باستخدام المصطلح و الاستعانة به لتبرير المجزرة الحقوقية التي تقع داخل المخيمات، ذلك أن إختفاء “الخليل بريه” و اعتقال ثلاثة مدونين يكاد يكون نتيجة منطقية لنضجهم المبكر، لأنهم ولدوا قبل زمانهم، و كم أخشى أن تكون #الأضرار_الجانبية الناتجة عن استهداف النظام الصحراوي لمن نضجت قلوبهم و عقولهم قبل الأوان… أكبر من تحملنا.
فإذا كان الصمت وقت الفشل يعتبر صبرا، فإن الصمت وقت القرار يعتبر ترددا و عجزا، و هذا وضع القيادة التي أصبحت كأم تركت رضيعها يغرق في القذارة و راحت تسابق الزمن و تتزين لحضور حفل عند الجيران، لأن الوضع الحقوقي بالمخيمات أصبح يزكم الأنفاس و يصعب تحمله، و لم يسبق أن عشنا حصارا للحريات كما اليوم، و لم نغرق يوما بهذا المستوى من الشك، حيث يُجهل مصير ثلاثة مدونين مخطوفين منذ أزيد من شهر، و قد دخلوا مرحلة الإضراب عن الطعام بسبب إحساسهم بالاحتقار المزمن و سوء المعاملة المطلقة التي تعيدنا إلى ذكريات ما كتبه الذين عاصروا سطوة النازية و الفاشية، يحدث لنا هذا و نحن أمة كل زادها الكرامة و الحرية.
و تفيد عائلات معتقلي الرأي الثلاثة “مولاي أبا بوزيد” و “الفاظل ابريكة” و “محمود زيدان”، بأن وضعهم الصحي أصبح غير مستقر و لا يبعث على الارتياح، و بالخصوص “مولاي آبا بوزيد” و “محمود زيدان” اللذان يعانيان من أعراض سوء التغذية و الإجهاد، نتيجة تأثيرات الإضراب عن الطعام الذي يخوضانه منذ أيام، احتجاجا على الاعتقال التعسفي للسلطة الصحراوية في حقهم و عدم تقديمهم للمحاكمة، و أيضا عدم مواجهتهم بتهم واضحة و صريحة.
و كانت السلطات بالرابوني قد حاولت التشويش على إضرابهم عن الطعام عبر إرسال طبيب سجن “الذهيبية” الرهيب لتحذيرهم من العواقب الصحية الناتجة عن الاستمرار في ذلك، و قد أكدت عائلة “أبا بوزيد” أن طبيب المؤسسة السجنية قد حذره من إمكانية تعرضه لفشل كلوي قاتل، في محاولة لتخويف المعتقل من المضاعفات المحتملة لإضرابه عن الطعام، و أضاف المصدر أن عائلات المعتقلين يدينون بشدة إلغاء اللجنة الصحراوية لحقوق الإنسان زيارتها للموقوفين و تعاملها بإنتقائية مع الملفات و تواطئها مع القيادة الصحراوية، بعدما كانت قد أعلنت خلال الأسبوع الماضي عنها، و بعد مرور 47 يوما من التوقيف خارج إطار القانون، لا يزال النظام المزعوم الصحراوي يحتجز الموقوفين دون تقديمهم للمحاكمة، رغم التحذيرات التي تضمنتها تقارير المنظمات العالمية كـ “هيومن رايت ووتش الامريكية”.
و في أوج قضية الإعتقال التعسفي للمدونين الصحراويين الثلاثة، و التي تشهد متابعة دولية من المنظمات الحقوقية العالمية، تستمر أسرة “الخليل أبريه” في معتصمها من أجل الكشف عن مصير القيادي الصحراوي المختفي في السجون الجزائرية منذ سنة 2009، بعدما تسربت أخبار من داخل السجون الجزائرية تفيد بأن “الخليل ابريه” ربما يكون على قيد الحياة في السجن العسكري بالبليدة، و أن وضعه الصحي متدهور جدا، لكن القيادة لا قدرة لها على التأكد من الخبر أو إخراجه في حلة صدقه، و فك سلاسل الجيش الجزائري حول عنقه، و هو ما يزيد الوضع سوء و يدفع أسرة المختطف إلى الاستمرار في لعبة كسر الإرادات مع القيادة، خصوصا و أن مفوضية غوث اللاجئين بدأت تحرر تقارير حسب مقربين من دوائرها، حول الوضع السيئ للمعتصمين من أبناء الخليل ابريه و الذين يخوضون إعتصاما مفتوحة تحت درجات حرارة مفرطة و سط تجاهل تام من القيادة.
هذه التطورات تؤكد بأن الأمور بدأت بالفعل في الخروج عن سيطرة القيادة، التي كل شغلها و همها أن تلتقط صورا في حفل تنصيب رئيس إفريقي، و أن تنشر عبر صحافة الرابوني مصافحات الأخ الرئيس لبعض القادة الأفارقة الذين جرتهم الصدفة إلى الطريق الذي يسلكه، فيما المنظمات الدولية للحقوق و الحريات تتربص بالقضية الصحراوية و تعد لها شراكا عظيمة و هائلة خلال المحافل الدولية المقبلة.