Wednesday 19 February 2025

الحكومة بين ارتجالية المواقف والقرارات وتفاقم الوضع الصحي واستفحال الوباء

د. عبد اللطيف سيفيا

بقية الحديث … يعرف عدد حالات الوفيات والبؤر الوبائية ارتفاعا هائلا بعدد كبير من المدن والأحياء المكتضة بالسكان ، وبالوحدات الصناعية والإنتاجية والمساحات التجارية الكبرى بالمملكة ، مما أربك مواقف الحكومة التي إن عبرت مواقفها عن شيء فإنما تعبر عن قراراتها الارتجالية التي لا تنم عن ثقة في اتخاذ هذه القرارات التي تتصف بالعشوائية ، وعدم التمكن من ضبط الأوضاع التي تمر بها البلاد ، والتي بسبب التعليمات الباهتة واللامسؤولة الصادرة عنها كجهات مسؤولة ومتضاربة الرأي في شأن اتخاذ بعض التدابير التي باءت بالفشل الذريع في مواجهة جائحة كورونا .

هذه الأخيرة التي تمكن المغرب في المرحلة الأولى من حالة الطوارئ الصحية أن يحقق فعلا نتائج مرضية وتستحق الثناء والتي اتخذت كقدوة يحتدى بها على الصعيد الدولي .
إلا أن المرحلة الثانية للطوارئ الصحية عرفت تسجيل هفوات كبيرة وتساهلا في تطبيق التعليمات الاحترازية التي تعامل معها المواطنون بشيء من الاستهتار وعدم الوعي بخطورة تبعات الجائحة الوبائية ، التي تفشت بقوة في عدد من الأماكن والمناطق في ربوع المملكة ، مما خلق لدى المواطنين من حيرة في اتخاذ القرار بالنسبة لتعاملهم مع الوضع الصحي الراهن ، الذي تشوبه عدة إكراهات يعانون منها ، كتطور الوضع الوبائي الصادر عن تفشي المرض بصفة تصاعدية وانفلات غير مسبوق للفيروس وانتشاره بقوة محدثا بؤرا خطيرة وكثيرة ، إذا ما استمرت على هذه الحال ستؤدي إلى كارثة صحية ومجتمعية وغيرها ، ذات تبعات يصعب تصور نتائجها السلبية لا محالة .
فيبدو أن الحكومة والمسؤولين غير واعين ، إلى جانب المواطنين طبعا بخطورة الأمر ، مما جعل الأولى تأتي على قرارات إدارية ارتجالية موازية للقرارات الاحترازية التي تتخذها لمواجهة وباء كورونا ، الذي كان من المفروض أن توجه بوصلتها خلال هذه المرحلة الوبائية الراهنة ، التي يجب أن تسخر لها كل طاقاتها وإمكانياتها لتصب في إمكانية إنجاح عملياتها في مواجهة الجائحة والحصول على نتائج إيجابية ومرضية أكيدة .
في حين نجد الحكومة تختلق القرارات المضادة المبهمة والغريبة التي تسير في الاتجاه المعاكس للخطط الاحترازية المرصودة لمحاربة الوباء ، مثلما تصدره في العديد من الأحيان كالسماح ببيع أضحيات عيد الأضحى لمدة ناهزت الشهر ، ثم تقوم بعد يوم واحد من حلول مناسبة الاحتفال بالعيد بمنع السفر من وإلى المدن والجهات بربوع المملكة ، متبعة المثل العامي القائل ” اطلع تاكل الكرموس ، انزل شكون قالها لك ” ثم قرار منع الأصطياف ببعض الشواطئ دون أخرى مما جعل المواطنين يقصدون الشواطئ المسموح الاصطياف بها بكثرة ليحولها والطرق المؤدية إليها جحيما لا يطاق وأماكن تكثر بها الحوادث ، ومن يدري أيضا بؤرا لتفشي الوباء في صمت على الصعيد المحلي والجهوي والوطني ، بحيث كانت هذه الأماكن الاصطيافية مفتوحة على مصراعيها ولا تحترم فيها قواعد الحماية والوقاية ، ولا تتبع فيها التعليمات الاحترازية قطعا ، كارتداء الكمامة واحترام مسافة التباعد واستعمال وسائل التعقيم …الأمر الذي يمكن أن نقول بأنه ساهم في ارتفاع عدد الإصابات والوفيات بسبب الاستهتار الكبير المشترك وعدم إعطاء الوضعية التي تمر بها البلاد الأهمية اللازمة .

فبدأنا نلاحظ خروج الوضع الصحي عن السيطرة ومحاولة كل جهة التملص من مسؤوليتها ، بحجة أو بأخرى ، وتوجه كل منها أصابع الاتهام نحو الآخر مع ركوب صهوة التعنت والالتجاء إلى الضرب تحت الحزام والكيد والانتقام .
كما أن الحكومة التي يجب أن تتورع عن كل ما هو غير أخلاقي ، تثير خرجاتها البهلوانية كل لحظة وحين ، وفي ظروف غير ملائمة ، بل تسير عكس تيار المصلحة العامة للبلاد والعباد . فماذا يعني أنها تشجع على السياحة الداخلية في هذا الوقت الحرج خاصة وأن جل المدن السياحية تعتبر بؤرا وبائية بامتياز ، كمراكش وفاس ومكناس وطنجة وبني ملال والدار البيضاء وأكادير وأسفي ، لتعود وتذكر بفرض حالة الطوارئ الصحية ومحاصرة العديد من الأحياء والمدن  التي اعتبرتها موبوءة وصنفتها خطيرة على صحة المواطنين وحياتهم .

ولكن الحصار على ما يبدو كان شكليا فقط لا يمت للجدية والصرامة بصلة ، بحيث كنا نرى بعض الإنزالات الأمنية المحتشمة التي تشارك فيها السلطات الإدارية والقوات المساعدة ورجال الأمن وعناصر الشرطة الإدارية وجمعيات المجتمع المدني ، مما ترك فرصة للفوضى والتسيب الذي نتج عنه ما نحن فيه من ارتباك بسبب الارتفاع المتزايد في عدد الإصابات والوفيات في صفوف المواطنين بسبب تأجج هذا الوباء الفتاك الذي بدأ يخرج عن الطوع.
ومن بين الخرجات الارتجالية للحكومة أيضا ما قررته بخصوص تغيير بطاقات التعريف الوطنية التي ألزمت المواطنين بتنفيذ قراراتها مع عقوبة زجرية مالية في حق كل من تخلف عن ذلك ، ناهيك عن إجبارية الحصول عليها بالنسبة للبالغين السادسة عشرة من عمرهم ، مما سيحول مكاتب ومراكز الحصول على الوثائق الخاصة بذلك إلى بؤر وبائية خطيرة قد تنفجر بأرقام لا يمكن للمستشفيات القارة والميدانية الاستيعاب المحتمل لعدد المصابين المرتفع بهذا المرض الفيروسي الخطير .
فسبحان الله ، كيف تفكر هذه الحكومة في قراراتها بالسير برجل تبدو عادية وأخرى عرجاء تميل بهما تارة نحو اليمين وتارة نحو الشمال مما يجعل سيرها متعثرا ، ويجدر بها أن تجلس القرفصاء وتقعد مكانها حتى لا تأتي على شيء يعود على البلاد والعباد بما لا تحمد عقباه ، أو أن تستشير ذوي المعرفة من العقلاء وأصحاب الضمائر الحية ومن لديهم غيرة على الوطن وتفوض أمرها لله ولهم ، لتتمكن من تخطي هذه المصاعب والتغلب عليها ، وتطمئن على مستقبل البلاد وتتفادى كل المخاطر والصعاب .
فبلادنا مليئة بالطاقات الواعدة في جميع المجالات ، مما يوجب فقط إعطاءها فرصة تحقيق آمالها وآمالنا وأحلامها وأحلامنا وتطلعات الشعب المغربي وقائده الأعلى ، والسير معا على متن المركب الذي نركبه متحكمين في شراعه ومجاذفه لنشق به عبار البحر نحو الأمان  والازدهار والتقدم والأفق المشرق.
فكفى من الاستحواذ على المراكز التي هي ليست من مقاسكم ، وكونوا واقعيين متفهمين لعدم كفاءتكم وقدرتكم على احتواء الوضع الذي قد يتطور ويصبح خارجا عن الطوع كفرس جامحة تسقطون من أعلى صهوتها لتجدوا أنفسكم تحت رحمة حدوات حوافرها .
فكونوا في مستوى المسؤولية الملقاة على عاتقكم وقدروها أحسن تقدير ، وإلا فانزاحوا عن المناصب ودعوها لمستحقيها الذين نحن في أشد الحاجة إليهم .

فالمسؤولية الوطنية ليست بلعبة ترفيهية ولا مضيعة للوقت ، بل هي واجب وتشريف وتكليف من الله وقائد البلاد والشعب المغربي المخلص … وللحديث بقية .

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *