Friday 19 April 2024

عيطة ” العَلْوَه “..جغرافيا المصطلح وسوسيولوجيا المتخيل الشعبي..

بقلم : الدكتور عبدالله شنفار

أين توجد العَلْوَه؟ هل هي امرأة جميلة وساحرة و”مجذوبة” كما يتخيل للناس؟ هل هي امرأة ام رجل؟ ومن هو هذا العَزْرِي الفحل الرجل الشهم؛ الذي يتغنى به لسان حال العلوة؟ من هم ضُمَّانْ وجْوَادْ العَلْوَة وضامني الخير والبركة بأرضها؟ وكم يبلغ عددهم؟ إلى أين ذهب النِّيَّة؟ لكن أين ذهبت بركة المكان؟ وهل لازال هناك ضُمَّانْ وجْوَادْ المكان؟ هل كانت بالفعل بركة في الماضي لهذه الامكنة؟ هل فعلا ذهبت بذهاب اصحاب ضُمَّانْ وجْوَادْ المكان؟ أين ذهبت بركة الفقيه؟
“العلــــــــوة وماليها.. والصلاح اللي فيــــها.”
هل ذلك العصر الذي عاش فيه أجدادنا؛ وتغنوا فيه بالعلوة كان عصر وفرة أم ندرة؟ هل لايزال هناك من يحظى ويحرس العَلْوَه؟

العَلْوَه عنوان لأغنية جميلة يتغنى بها الجميع. من خلال جغرافيا المتخيل؛ وسفر عبر الزمان والنبش في سوسيولوجيا البادية والقرية والأرياف؛ وبعيدا عن صخب وازدحام المدن؛ نجد احدى المناطق المغربية الخصبة التي تحتضن “العلوة زينة البلدان..التي خرجت منها قومان.”
كلمة العَلْوَه جاءت من العلو، او المرتفع من الأرض، وهي ليست شيئا آخر سوى هضاب الشاوية العليا نواحي مدن؛ سطات وبرشيد والكارة وبنسليمان والنواصر؛ والمحمدية “فضالة” ومديونة، مستقر قبائل بني هلال او اتحادية قبائل الشاوية بصفة عامة الممتدة حتى سهول تادلة وسايس.
تقع العلوة على الحدود الجنوبية لمنطقة الشاوية، يحدها شمالا قبيلة لمذاكرة وقبيلة أولاد حريز، ومن الجنوب قبيلة بني مسكين. ومن الجنوب الشرقي قبيلة بني عمير، وغربا قبيلة أولاد سي بن داود، ومن الشمال الغربي قبائل زعير، ومن الشرق قبائل ورديغة،
يرجع الفضل الى قبيلة بني هلال في نشر الإسلام واللغة العربية في منطقة زناتة؛ حيث أسسوا بها دول بني يفرن ومغرواة وبني مرين؛ بعد أن قاموا بتطهير المنطقة من البرغواطيين الذين أشركوا وكفروا والقضاء على دولة برغواطة الذين ادعوا النبوة وتحرير ما زعموه قرآنا خاص بهم وعبادات لا علاقة لها بالدين الإسلامي في شيء والعياذ بالله.
كما استوطن منطقة الشاوية، خلال القرن الرابع والخامس الهجري، بالإضافة الى بني هلال؛ قبائل عربية أخرى مثل قبائل بني سليم، و بني معقل، وبني رياح، وجُشَم، بمختلف بطونها وشعبها وأفخاذها.
وللعلوة ما يسمى بالضمان أو، لَجْوَادْ وعددهم أربعة ضُمَّانْ يعتبرون حراسها وضامني الخير والبركة بأراضيها، وهم: سيدي حجاج، وسيدي امحمد البهلول، وبويا الجيلالي، وسيدي بلقاسم.
فحينما نتحدث عن الضُّمَّانْ او الحراس؛ فإن الخيال يسافر بنا إلى شيء خارق للعادة حيث الأمان والسكينة والطمأنينة وغياب شيء اسمه الخوف؛ لان هناك ضمانات وهناك طمأنينة وسكينة؛ وهناك زْطَاطَه أو عملية خفر على الطريق المحروسة بأمان واطمئنان.
وهنا يستحضر الذهن سوسيولوجيا المكان: فسطات أو زَطَّات جاءت من الزطاطة او الخفر Escorte وتأمين الطريق من قطاع الطرق في بلاد ” السيبة” آنذاك؛ حيث غياب سلطة المخزن في ذلك الزمان؛ من خلال تحقيق الأمن الذاتي للأفراد والجماعات وتأمين مرور القوافل التجارية وعابري السبيل.
يقول لسان حال العلوة ناصحًا من يزور او يمر عبر المكان: “واهيا الغادي العلـوة تعالى نوصيك بعـدا؛ إلا وصلتي سلــــــم في العلـوة لا تتكلـم..
العلــــوة كَاع سيوف هز عيــــنيك وشوف..”
لا جدال في مكان العلوة ادن ولا نقاش؛ انه الاستسلام وطلب السلم والتسليم لتنجو بنفسك من الشر والاحتماء بعالم الخير.
جغرافيا المكان تحيل إلى المقدس والثابت والمتغير والمتحول عبر الزمان؛ حيث استمرارية الموسم والفنطازيا والتبوريدة وسربة الخيل ولمقدم وقراءة الفاتحة قبل ركوب صهوة الجواد وما يصاحبها من طقوس واعتناء بتربية الخيل والجياد والكرم الحاتمي. والحفاظ على استمرارية الموروث.
يقول لسان حال وجواد العَلْوَه: لعار امول التوتة.. لمواسم فيك منعوتة.. الى لحقتي الباب توضأ وتأدب ..وزر جميع القباب..”
العلوة؛ انه المتخيل؛ جزء من حضارة وثقافة شعب.
فالعلوة تمثلات وتخيلات اجتماعية تسلب العقل عبر “السْواكن” و” كْناوة” و“الحَالْ” و”الغَيْوان” و”الجدبة” و“العيْطة” نتغنى بها ونرقص من خلالها؛ ولكن لا ندركها إنه وهم المتخيل..

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *