د. عبد اللطيف سيفيا
بقية الحديث …الولايات المتحدة الأمريكية بصدد الإقدام على القيام بإعادة المذبحة التي ارتكبتها في حق الهنود الحمر، السكان الأصليين لما يسمونه بالعالم الجديد ، لكن هذه المرة سيرتكبون المجزرة في حق من ناضلوا من أجل الوطن الجديد وضحوا بأغلى ما لديهم ليرفعوا من شأن بلادهم وعزها ، وجعلها قوة لا تضاهى على جميع الأصعدة ، تهابها الدول والمجتمعات وتتخذها قدوة ونبراسا وتتبنى أفكارها وسياساتها ، لنراها تتنكر في لؤم لمن بلغوا من الدهر عتيا من بانيها وصانعي أمجادها ممن أصيبوا بوباء كورونا الخطير كوفيد 19 ، وتتخلى عنهم في مثل هذا الوقت الراهن الحرج ، الذين هم في أمس الحاجة فيه إلى مولودتهم التي كانوا سببا في نشأتها وتفانوا في رعايتها حق الرعاية ، من مرحلة الحبو إلى أن استقام ممشاها واشتدت عضلاتها وصارت في عنفوان شبابها وأوج قوتها وقمة شأنها ، بعد أن أعلن البيت الحاكم بواشنطن نيته المبيته ، والتي أصبحت صريحة بكل وقاحة في طرح خطة خبيثة ، جهنمية ولا إنسانية ، للقضاء على هذه الشريحة من المجتمع والتخلي عنها في آخر مراحلها العمرية تاركة إياها ومصيرها ليفتك بها الوباء الخبيث في سبيل المحافظة على التوازن الاقتصادي للولايات المتحدة التي سقطت في ورطة صحية كبيرة بسبب تفشي وباء كورونا الذي ضرب بشكل كبير نظام البلاد ومؤسساته المبنية على الريع الحقيقي ، مخافة السقوط في كارثة تشل جميع الميادين التي اتخذ منحاها طريقه نحو الهاوية بشكل سريع ومهول ، جعل المسؤولين الكبار في حالة صدمة لم يتوقعوها قط ولم تكن لهم أبدا في الحسبان.
وهكذا فإني أود إحالة الرأي العام وكل متتبعي مقالاتي التحليلية التي أعمل جاهدا تأتيثها بمعطيات واقعية وملموسة بعيدا عن الحيف والحمية والعنصرية والإديولوجية لأتناولها بكل صدق وموضوعية وانفتاح على الآخر واحترام آرائه ، مما يضطرني أيضا إلى مناولة المواضيع ومحاولة النظر إليها من كل الزوايا، محاولا عدم إغفال أي كبيرة أو صغيرة أو ذرة منها على أبعد حد صغرها وأهميتها بهدف التنوير والتوضيح والتقريب .
ومما أثار انتباهي هو أن ” التاريخ يعيد نفسه ” فعلا ، إذام حاولنا الرجوع بالذاكرة التاريخية إلى قريب العهود وبعيدها أيضا ، لنجد السجلات الكرونولوجية مليئة بمثل هذه المواقف المنحطة والبعيدة عن القيم الإنسانية المزعومة في عدة صور أغلبها تزخر بأبشع صور التنكر للأصل ونكران الخير وضرب حقوق مفاهيم القيم الانسانية في عمقها ، وإرجائها لعنصري الزمان والمكان وغيرهما من نوعية الأنظمة والحكام الذين تزامنت معها إلى غير ذلك من الترهات التي سئمنا من ابتلاعها برشفات اللعاب التي لا نجد لها بدا غير التظاهر بالاستبلاد والقبول والاستسلام لحماقاتها والاستئناس بها والتآلف معها لتصير من المسلمات الواجب القبول بها ، بل من البديهيات التي تصبح جزءا من ثقافتنا وفكرنا وحضارتنا وعاداتنا وتقاليدنا ومعيشنا اليومي .
والأمثلة في ذلك كثيرة ومتنوعة ، سنذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ، بعض الحالات والمواقف القريبة في الزمن متجاوزين ما كان يقوم به الرومان وأقوام مثلهم بكل من تجلت فيهم علامات الضعف بالتخلص منهم بطرق غير إنسانية بقصد الحفاظ عل مجتمع صحيح خال من العيوب ، متأهب للعطاء بلا حدود وضمان استمرارية التكاثر بإنجاب الأقوياء ، بحيث نجد امتداد حالات التنكر هذه التي ظهرت في العديد من البلدان المعاصرة التي لازلنا نعايش ممارساتها اللا إنسانية وتبعاتها الخطيرة والسلبية على الشعوب التي كانت القارة الأمريكية واحدة منها ، والتي قامت بها حرب إبادية على سكانها الأصليين الهنود الحمر ، حرب الإبادة هذه التي عادت مؤخرا بوجه جديد تستهدف فيها شريحة من المجتمع الأمريكي الحالي وهو بيت القصيد ، سنعود للتطرق إليه مباشرة بعد الخوض في التسلسل المنطقي الذي يفرضه الموضوع الذي نحن بصدده .
فهناك السكان الأصليون بأستراليا الذين مورست عليهم العنصرية والاستبداد والظلم والاحتلال والتهجين مثلما حدث أيضا لشعب جنوب إفريقيا الذين طالهم العذاب الأليم بسبب الاستعباد وغير ذلك من مظاهر التمييز من قبل البيض الانجليز الذين احتلوا أرضهم وفرضوا عليهم نظام الأبارتهيد ليتم تهجينهم أيضا وجعلهم يرضخون لهم باسم التعايش والتكامل والانصهار، ثم العمل على استئصال شعوب أخرى واجتثاث حضاراتها العريقة مثلما كرسوه على الشعب الفلسطيني الذي أرغموه بشتى الطرق والوسائل على التنازل عن العديد من أراضيه بالقوة والقهر ، ليعلنوا عن تأسيس كيان جديد أسموه دولة إسرائيل تم توسيعها على حساب أراضي الفلسطينيين والدول المجاورة ، مما يبين سياسات الدول الجاحدة تجاه الشعوب الأخرى مما لا يستثني شعوبها أيضا من جحودها وتطبيق إيديولوجياتها الخبيثة لتحقيق أهدافها السياسية والاقتصادية وغيرها مما تجده يخدم مصالحها التي لا تقبل أن يقف في وجهها أي كان.
وهكذا ، فيبدو الأمر غير غريب على العديد من دول العالم ، وخاصة تلك التي تعتمد سياسات الخداع والتي تجري وراء الريع الاقتصادي والسياسي والجشع المفرط في التميز والانفراد بالمواقف والسلطة والاستحواذ على الثروات ، مما يخلق لديها الجزع وحب التمكن والسيطرة على جميع مناصب القرار والمحاور الأساسية والهامة في العلاقات الدولية .
فكيف لهذه الدول ، كالولايات المتحدة الأمريكية وغيرها ، ذات التوجه النازي والعنصري والتي تعمد بدورها إلى الحفاظ على نقاء مجتمعها من الشوائب بإقدامها على التفكير في تنحية شريحة من مجتمعها والتي ضحت بالغالي من أجل وطنها لتجزى بتنكر الدولة لها ومحاولة تنحيتها من الوجود لأجل أطماع مادية محضة ، بحجة أن هذه الشريحة تثقل كاهل الدولة وترهقها وتصبح عالة عليها وتتسبب في انهيار اقتصادها وترهات أخرى كثيرة ، هذه الدولة التي بنتها هذه الشريحة لبنة لبنة ، ليستعر منها بعد أن أثقل الزمن كاهليها ورسم الأخاديد على جباهها وجعلها الوباء بين أنياب المنية ؟
أليس هذا المصير ما سينطبق على فرسان اليوم ، حينما تدور عليهم الدائرة ويحصل لهم ما حدث للثور الأبيض ؟
ثم كذلك وللاعتبار ، ألم يحرك هذا السلوك الأعمى لهذه الدول المتعالية والمتجبرة ، في إخواننا العرب أي زوبعة فكرية توقظ فيهم الإحساس بالحمية والعزة والكرامة لتجعلهم يفطنون لأطماع الدول الغربية وسياساتها الممنهجة المبنية على البحث عن المصلحة أحادية الجانب والمدسوسة بالشر ونكران الجميل لأبناء جلدتها والتنكر لهم ، بالأحرى أن تكن الحب والخير للغرباء العرب وغيرهم الذين تعتبرهم منافسين وأعداء ؟
فلنكن واقعيين ، ولنحرك في جمجمتنا وخزة إبرة بالمنطقة الرمادية مما ميزنا الله به عن بقية والحيوانات ، ولنتحرر من خيوط الدمى التي تحركنا بها هذه الدول اللقيطة التي ظهرت على حقيقتها الوضيعة والحقيرة في مناسبات عدة كمثل التي نحن بصدد المعاناة منها ، ألا وهي كارثة وباء كورونا ، هذا الوباء الذي لم يستثنها من جائحته التي ضربتها بقوة ، فلم تعد تدري ما تقدم أو تؤخر ، بل جعلها بالرغم مما كانت تدعيه وتتبجح به من قوة وعظمة وسلطان ، وكأنها تستيقظ من كابوس لتجده حقيقة مرة وواقعا قاسيا مرغ أنفها في التراب ولا زال يهدد بإردائها على الحضيض لتتذوق طعم الذل بعد العزة ، وهوان الضعف بعد القوة والجبروت …إنه سبحانه وتعالى يمهل ولا يهمل .
فإذا كانت هذه الدول الغربية تتنكر لشعوبها وقت الشدة ، فكيف لها ألا تتنكر للبلاد العربية وغيرها ؟ … وللحديث بقية .