د. عبد اللطيف سيفيا
بقية الحديث…ليس الحزن على ضياع ركلة الجزاء “ركلة جزاء زياش” إلا القطرة التي أفاضت كأس مرارة ضياع الأمل في العديد من الأمور … فهل يمكن أن نقرأ من الغضب من إضاعة زياش لضربة الجزاء كثورة عن المصل المستعمل للتخدير الرياضي ، وخاصة كرة القدم ، و الذي يكرس على المواطنين كوسيلة لصرف نظرهم عن أولويات العيش الكريم ؟؟؟
لقد تم استغلال المواطنين فعلا من خلال استدراجهم إلى متاهة ما يسمى بكرة القدم التي جذبت الشباب والأطفال والشيوخ والنساء بطريقة ملفتة للنظر جعلتهم يتناسون أوضاعهم الاجتماعية المادية والمعنوية المزرية التي لا يتوقف قطارها المتجه نحو الهاوية أبدا ، بل يزداد سرعة نحو المصير المشؤوم بازدياد سوء الأوضاع والمعاناة اليومية لهؤلاء المواطنين المغلوبين على أمورهم والتائهين في دروب الحياة التي تقسو عليهم من كل الجهات لتهضم حقوقهم المشروعة ويتجرعوا كؤوس العلقم في كل المجالات كالصحة والتعليم والشغل وميادين أخرى لا تقل أهمية عنها ، بل ليتجاوز الأمر إلى الضحك على دقونهم وهضم حقوقهم وابتزاز خيراتهم واستغلالهم بأبشع الطرق اللامشروعة مع محاولة زرع بؤر الفساد بشتى أنواعه بينهم والترويج للأكاذيب والترهات والسذاجة والحماقات…مع محاولة نشر المغالطات وثقافة التفاهات وتوطين الفتن والعمل على تصديق الترهات والتشجيع على ممارسة الموبقات والتعلق بالسراب الخادع…
كل هذا لجعلهم في منآى عن رؤية الواقع المرير بكل وعي ومسؤولية ، حتى لا يستيقضوا من سباتهم ويفطنوا لمحاسبة النخبة الفاسدة المستفيدة من الوضع القائم بامتياز ويضيقوا عليهم الخناق في استغلال خيرات البلاد وضرب المصلحة العامة التي يغيبها انعدام الضمير الوطني والانساني لديهم .
فكان ما كان …نهب واستغلال للنفوذ وتسيب وغياب المساءلة والإحساس بالمسؤولية …فهذه الجامعة الملكية لكرة القدم التي يمكن أن نأخذها حسب السياق كمثال على استنزاف الأموال الطائلة من ميزانية الدولة المكونة من المال العام ، والتي تهدر بدون فائدة على أعمال ونتائج لا ترقى إلى مستوى طموحات البلاد والعباد ، ناهيك عن النهج الذي تسير عليه هذه الجامعة الفاشلة في كل ما هو إيجابي باستثناء السلبيات التي تعد رائدة في تحقيقها كتبدير المال العام فيما لا يعود على الرياضة المغربية بخير ، والأمثلة عديدة ومتنوعة ومنها اطلعت عليه من خلال تدوينات بعض متتبعي الشأن الرياضي من المواطنين الغيورين الذين لم تفتهم الفرصة في عرض بعض أوجه الفساد التي سأعمل على نقلها إلى القراء بكل أمانة حتى يتمكنوا من الاطلاع على ما يروج بين صفحات مواقع التواصل الاجتماعي حول تفاقم الوضع الرياضي بالمغرب وأسبابه وحيثساته بتفاصيلها الدقيقة التي تكاد أن تكون مملة ، انطلاقا من صرف الجامعة الملكية لكرة القدم لمبلغ يعتبر حسب الرأي العام خياليا والدي بلغ 87,9 مليون دولار أمريكي فقط لتجاوز الدور من إقصائيات كأس إفريقيا المنظمة بمصر …مع مطالبة المتتبعين لدلك مقارنتها بميزانية وزارة التعليم : 40 مليار سنتيم وميزانية وزارة الصحة : 16 مليار سنتيم…
لكل من يدافع على رموز الفساد في الشأن الرياضي … إقرا وتمعن وفهم اش طاري وخلي عليك العاطفة جانبا أما الى عندك الدنيا هانية فهادشي هو لي وصل الوطن والطبقات الفقيرة من حرمان وقلة الشيء فهنا اقول لك لاداعي لمواصلة القراءة مزانية جامعة كرة القدم 800 مليون و38الف و69 درهم، أي ما يفوق 80 مليار سنتيم. ثلاث أرباع هذه الميزانية والتي تصل إلى 62 مليار و600 مليون سنتيم مصدرها: المكتب الشريف للفوسفاط -صندوق الإيداع والتدبير -المكتب الوطني للسياحة -وزارة الشبيبة والرياضة. ثم هناك ثلاث مصادر أخرى وهي: اتصالات المغرب مليار و700مليون سنتيم، ودخل المباريات الذي يصل 740مليون سنتيم، ثم مداخيل النقل التلفزي الذي يصل مليار و100مليون سنتيم.
أما تبقى عن 80 مليار سنتيم تموله الفيفا بما يقارب 8مليار سنتيم، والكاف بمليار و700 مليون سنتيم. هكذا يتبين أن 80٪ من ميزانية الجامعة تختصم من مؤسسات تابعة للدولة أي تختصم من المال العام. والسؤال إذا كانت قطاعات عمومية حيوية تشتكي من فقر في الميزانية، ونحن نهدر كل هذه الأموال الطائلة ومنذ سنوات دون طائل ودون نتائج، فلماذا الإصرار على هدر الأموال؟ إذا كان جزء معتبر من هذه الميزانية يوزع على الفرق المحلية والعصب ولا تقدم هذه الأخيرة ولو لاعب واحد للمنتخب الوطني، فَلِمَ هدر المال العام على هذه الفرق ما دام أن الجامعة تقبل مسبقا من المدرب الوطني اعتماده على اللاعبين الذين تأطروا في الخارج؟ مع العلم أن المنتخبات الوطنية لكرة القدم تكلف الدولة 23مليار و330 مليون درهم! ويكفيك أخي المواطن أن تعلم أن المنتخب المحلي في الشان، والمنتخب الأول في المونديال كلفا خزينة الجامعة 13 المليار و950 مليون سنتيم.
كل هذه الأموال دون طائل أو نتيجة تذكر، هذا إن سلمنا أنها قد تدفقت في القنوات السليمة! أما الجامعة بموظفيها فهي تكلفنا 4 مليار و490 مليون سنتيم. في ظل هذه الاخفاقات المطردة، والهدر للمال العام، يقف وزير الشبيبة والرياضة في مؤسسة البرلمان، ليحدثنا عن لاعب و23 مكالمة، والمناخ، والتقواس…
إنه العبث بكل المقاييس! إنه الاستهتار بعقول المواطنين! إنه الاستخفاف بسلطة الشعب! إنه هدر للزمن السياسي! إنه جهل بمعنى المسؤولية! أن تؤخذ الأموال من فوسفاطنا، وأموالنا المودعة في صندوقنا، ومن عائدات السياحة، وميزانية وزارة الشباب، ومن ضرائب المواطنين على التلفاز التي تنفخ بها فواتير الماء والكهرباء، ومن اتصالات المغرب التي تمتلك الدولة 51٪ من أسهمها ويؤدي المواطن فواتيرها…
أن نسمح بكل هذا العبث أمام تنامي البطالة، والخصاص المهول في قطاعي الصحة والتعليم، وأمام الفقر والهشاشة المنتشرين كالهشيم في ربوع الوطن، وأمام موت امرأة محمولة إلى المستشفى من دوار إلى أقرب مدينة على حمار، وأمام موت نساء بالصويرة يتدافعن على كيس طحين، وأمام موت طفلة بسبب لدغة عقرب في غياب مصل في المستوصف…وأمام وأمام وأمام…
لا يستسيغ أي عاقل أمام كل هذا أن يحزن على ضياع ركلة جزاء، وراءها ضياع المال العام، وراءها ضياع الزمن السياسي للوطن، وراءها ضياع الأجيال في البطالة، وراءها ضياع زهرة عمر شباب في السجون، وراءها ضياع كل الوطن إذا نحن استحضرنا باقي الجامعات بل باقي الوزارات وباقي المؤسسات.
اعذروني لقد سئمنا من تحميل رجال الدولة المسؤولية وقد آن الأوان لتحميل الشعب مسؤولية صمته وتواطئه على هذه المنكرات، فقديما ردد المغاربة مثلا ربما اتخذه المسؤولون الكبار في هذا البلد شعارا لهم وهو: “لي لقا الضحكة أوما ضحك عليها، ربي كايحاسبو عليها”. فنحن عندهم مجرد ضحكة تستوجب من مسؤولينا هذا الهزل والعبث.
فما علينا إلا أن نواجه هذا المثل بقولة الإمام علي بن ابي طالب كرم الله وجهه: ” ما خانك الأمين، ولكنك أئتمنت الخائن” منقول…وللحديث بقية.